الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
.باب المسْح عَلى الخفّين: هذا الباب يذكر فيه شيء من أدلة مشروعية المسح على الخفين، لأن المسح عليهما بدل غسلهما، فهو الطهارة الشرعية المجمع عليها بين المعتبرين من علماء المسلمين، لما تواتر فيها من النصوص الشرعية الصحيحة الواضحة، ولله الحمد.ولا يعتبر شذوذ بعض الطوائف في عدم شرعيتها والأخذ بأحاديثها لردهم النصوص الصحيحة الصريحة المتواترة، والمسح على الخفين من الرخص التي يحب الله أن تؤتى، ومن تسهيلات هذه الشريعة السمحة. الحديث الأول: عَنْ المغيرة بن شعبة قال: كُنْتُ مَع النبي صلى الله عليه وسلم في سَفَر فَأهوَيْتُ لأنْزِعَ خُفَيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإنَّي أدْخَلتُهُمَا طاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. غريب الحديث: 1- «فأهويت لأنزع» مددت يدي لإخراجهما من رجليه لغسلهما. المعنى الإجمالي: كان المغيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أسفاره. فلما شرع النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء، وغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، أهوى المغيرة إلى خفي النبي صلى الله عليه وسلم لينزعهما لغسل الرجلين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهما ولا تنزعهما، فإني أدخلت رجلي وأنا على طهارة، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على خفيه بدل غسل رجليه. اختلاف العلماء: شذت الشيعة في إنكار المسح على الخفين، وروى أيضاً عن مالك وبعض الصحابة. لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الرواية عنهم بإنكارهم ضعيفة. وأما مالك، فالرواية الثابتة عنه، القول به، وأطبق أصحابه من بعده على الجواز. أما الشيعة، فهم الذين خالفوا الإجماع، مستمسكين بقراءة الجر، من وأرجُلِكُمْ لأن الآية ناسخة للأحاديث عندهم. وذهبت الأمة جمعاء إلى جواز المسح واعتقاده، محتجين بالسنة المتواترة. والقراءة-على فرض الأخذ بها- تكون مجرورة للمجاورة، أو لتقييد المسح على الخفين وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم حديث جرير بن عبد الله في المسح على الخفين لأن إسلامه كان بعد نزول سورة المائدة فيكون في الآية رد على من لم ير المسح أخذا بقراءة الجر في وأرجلكم وقال ابن دقيق العيد كلاما مؤداه أن المسح على الخفين اشتهر جوازه حتى صار شعار أهل السنة. وإنكاره شعار أهل البدعة. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية المسح على الخفين عند الوضوء، والمسح يكون مرة واحدة باليد ويكون على أعلى الخف دون أسفله كما جاء في الآثار. 2- اشتراط الطهارة للمسح على الخفين. وذلك بأن تكون الرجلان على طهارة قبل دخولهما في الخف. 3- استحباب خدمة العلماء والفضلاء. 4- جاء في بعض روايات هذا الحديث أن ذلك في غزوة تبوك لصلاة الفجر. الحديث الثاني: عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَان قال: كَنْتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم في سَفَرِ، فَبَالَ وَتَوَضَّأ وَمَسَحَ عَلَى خُفَيهِ. (مختصر). المعنى الإجمالي: ذكر حذيفة أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أسفاره، فبال وتوضأ ومسح على خفيه. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية المسح على الخفين في السفر. ومدة المسح على الخفين والعمامة في السفر ثلاثة أيام بلياليها. ومدة المسح للمقيم يوم وليلة أي 24 ساعة يحسب ابتداؤها في السفر أو الحضر- من ساعة المسح على أصح الأقوال. 2- المسح على الخفين بعد الوضوء من البول وثبت المسح على الخفين وعلى العمامة من كل حدث أصغر، في أحاديث كثيرة. أما الحدث الأكبر الموجب للغسل كالجنابة فلا يكفى فيه المسح على الخفين ولا على العمامة بل لابد من الاغتسال أما الجبيرة والجروح المعصوبة فإنه يمسح عليها من الحدثين الأصغر والأكبر. أما إذا كان المسح يضرها أو يخشى منه الضرر فلا تمسح ويتيمم عنها ولكن مع غسل سائر الأعضاء الصحيحة. .باب في المذي وغَيره: المذيُ: هو السائل الذي يخرج من الذكر، عند هيجان الشهوة، ويخرج بلا دفق ولا لذة. ولا يعقبه فتور، وقد لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة. وقال الأطباء: إنه يخرج من مجرى البول مع إفراز الغدد المبالية عند الملاعبة.والمراد هنا، بيان أحكامه من حيث النجاسة ونقض الوضوء. وفى الباب، عدةَ من الأحاديث، تتعلق بنقض الوضوء وإزالة النجاسات. الحديث: عَنْ عَلِىِّ بْنِ أبى طَالِب رَضِيَ الله عَنْهُ قَال: كُنْتُ رَجُلا مَذّاءً، فَاسْتَحْيَيتُ أنْ أسْألَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِمَكَان ابنته منِّى، فَأمَرْتُ المِقْدادَ بْنِ الأسْوَد، فَسألهُ، فَقَاَل: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويتوضأ». وللبخاري: «اغْسِل ذَكَرَكَ وتَوَضأ» ولمسلم: «تَوَضأ وَاْنضَحْ فَرْجَكَ». غريب الحديث: 1- مذَّاء وزن فعّال من صيغ المبالغة، والمراد كثير المَذي. 2- «انضح فرجك» يراد بالنضح، الرش وهو الأكثر، وقد يراد به الغسل، وهو المراد هنا، ليوافق الرواية الأخرى المصرّحة بالغسل. 3- «يغسلُ» برفع اللام. هكذا الرواية على صيغة الخبر، ومعناه الأمر. 4- استحييت بيائين هي اللغة الفصحى، ويأتي بياء واحدة كما في قراءة {إن الله لا يستحى …}. المعنى الإجمالي: يقول على رضي الله عنه: كنت رجلا كثير المذْيِ، وكنت أغتسل منه حتى شق علىَّ الغُسل، لأني ظننت حكمه حكم المنى. فأردت أن أتأكد من حكمه، وأردت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم. ولكون هذه المسألة تتعلق بالفروج، وابنته تحتي، فاستحييت من سؤاله، فأمرت المقداد أن يسأله، فسأله فقال: إذا خرج منه المذي فليغسل ذَكَرَهُ حتى يتقلص الخارج الناشئ من الحرارة، برَشَّة بالماء، ويتوضأ لكونه خارجا من أحد السبيلين والخارج من أحدهما هو أحد نواقض الوضوء. فيكون صلى الله عليه وسلم قد أرشد السائل بهذا الجواب إلى أمر شرعي وأمر طبي. اختلاف العلماء: ذهب الحنابلة، وبعض المالكية: إلى وجوب غسل الذكر كله، مستدلين بهذا الحديث وغيره، حيث صرحت بغسل الذكر، وهو حقيقة يطلق عليه كله. وذهب الجمهور: إلى وجوب غسل المحلى الذي أصابه المذْيُ، لأنه الموجب للغسل فيقتصر عليه. والقول الأول أرجح لأمور: الأول: أن غسله هو الحقيقة من الحديث، وغسل بعضه مجاز يحتاج إلى قرينة قوية. الثاني: أن المذْيَ فيه شبه من المَنيّ، من ناحية سبب خروجهما، وتقارب لونهما، وغير ذلك، فهو أشبه ما يكون بجنابة صغرى، يقتصر فيه عن غسل البدن كله، على غسل الفرج. الثالث: أنه يتسرب من حرارة الشهوة فنضحه كله مناسب، ليتقلص الخارج بتبريده. ما يؤخذ من الحديث: 1- نجاسة المَذيِ، وأنه يجب غسله. ولكن يعفى عن يسيره بسبب المشقة كما ذكر بعض العلماء. 2- أنه من نواقض الوضوء، لأنه خارج من أحد السبيلين. 3- وجوب غسل الذكر. وقد ورد في بعض الأحاديث: «وغسل الأنثيين». 4- أنه لا يوجب غسل البدن كالجنابة، وهو إجماع. 5- أنه لا يكفى في إزالة المذيِ الاستجمار بالحجارة كالبول بل لابد من الماء. حكم في حصول الحدث: عن عَبّادٍ بنِ تَميمٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ زَيد بنِ عَاصِمٍ المَازِني قال: شُكِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجُلُ يُخَيلُ إلَيْهِ أنَهُ يَجِدُ الشيء في الصَّلاةِ، فَقَالَ: «لا يَنْصرفْ حَتّى يَسمَعَ صَوتاً أو يَجِدَ رِيحاً». المعنى الإجمالي: هذا الحديث- كما ذكر النووي رحمه الله- من قواعد الإسلام العامة وأصوله التي تبنى عليها الأحكام الكثيرة الجليلة. وهى أن الأصل بقاء الأشياء المتيقنة على حكمها، فلا يعدل عنها لمجرد الشكوك والظنون، سواء قويت الشكوك، أو ضعفت، ما دامت لم تصل إلى درجة اليقين، وأمثلة ذلك كثيرة لا تخفى. ومنها هذا الحديث. فما دام الإنسان متيقنا للطهارة، ثم شك في الحدث فالأصل بقاء طهارته، وبالعكس فمن تيقن الحدث، وشك في الطهارة فالأصل بقاء الحدث، ومن هذا الثياب والأمكنة، فالأصل فيها الطهارة، إلا بيقين نجاستها. ومن ذلك عدد الركعات في الصلاة، فمن تيقن ثلاثا مثلا، وشك في الرابعة، فالأصل عدمها. ومن ذلك، من شك في طلاق زوجته. فالأصل بقاء النكاح. وهكذا من المسائل الكثيرة التي لا تخفى. ما يؤخذ من الحديث: 1- القاعدة العامة وهي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان. 2- أن مجرد الشك في الحدث، لا يبطل الوضوء، ولا الصلاة. 3- تحريم الانصراف من الصلاة لغير سبب بين. 4- أن الريح الخارجة من الدبر، بصوت أو بغير صوت، ناقضة للوضوء. 5- يراد من سماع الصوت ووجدان الريح في الحديث، التيقن من ذلك. فلو كان لا يسمع ولا يشتم، وتيقن بغير هذين الطريقين، انتقض وضوءه. حكم بول الصبي والصبية: عَنْ أُم قَيْسِ بِنْتَ مِحْصَنِ اْلأسديَّة أنها أتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأكُلِ الطّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم فأجلَسَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاء فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. وفي حديث عائشةَ أًم المؤمنين: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصبيٍّ،فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاء فَأتْبَعَهُ إِيَّاه. ولمسلم: «فَأتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ». المعنى الإجمالي: كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون النبي صلى الله عليه وسلم بأطفالهم. لينالوا من بركته وبركة دعائه لهم. وكان صلى الله عليه وسلم من لطافته، وكرم أخلاقه، يستقبلهم بما جبله اللّه عليه، من البشر والسماحة. فجاءت أم قيس بابن لها صغير، يتقوت اللبن، ولم يصل إلى سن التقوت بغير اللبن. فمن رحمته أجلسه في حجره الكريم، فبال الصبي على ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب ماء فرش مكان البول من ثوبه رشاً، ولم يغسله غسلا. اختلاف العلماء: يرى طائفة من العلماء أن الذكر والأنثى سواء في الاكتفاء بالنضح، قياسا للأنثى على الذكر. وترى طائفة أخرى: أنهما سواء في وجوب الغسل وعدم الاكتفاء بالنضح. وكلا الطائفتين لم تستندا إلى دليل. والنضح للذكر والغسل للأنثى، هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة وهو مذهب الأئمة الشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي وابن حزم وابن تيمية وابن القيم واختاره شيخنا السعدي وكثير من المحققين. ما يؤخذ من الحديث: 1- نجاسة بول الغلام وإن لم يأكل الطعام لشهوة.. 2- كفاية الرش، الذي لا يبلغ درجة الجريان، لتطهير بول الغلام. 3- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الكريمة، وتواضعه الجم. فائدة: اختلف العلماء في السبب الذي أوجب التفريق بين بول الغلام وبول الجارية، وتلمس كل منهم حكمة، صارت- في نظره- الفارقة المناسبة. وأحسن هذه التلمسات، أحد أمرين: الأول: أن الغلام عنده حرارة غريزية زائدة على حرارة الجارية، تطبخ الطعام، وتلطف الفضلات الخارجة. ومع هذه الحرارة الزائدة كون الطعام الطفل لطيفاً، لأنه لبن. والجارية ليس لديها الحرارة الملطفة، ويؤيد هذا تقييد نضح النجاسة بعدم أكل الطعام، إلا اللبن. والثاني: أن الغلام- عادة- أرغب إلى الناس من الجارية فيكثر حمله ونقله، وتباشر نجاسته، مما يسبب المشقة والحرج، فسومح بتخفيف نجاسته، ويؤيده ما يعرف عن الشريعة من السماح واليسير. والقاعد العامة تقول: المشقة تجلب التيسير. على أن بعض العلماء جعلوه من المسائل التعبدية، التي لا تعقل حكمتها والله أعلم بمراده. كيفية تطهير الأرض التي أصابها بول: عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللَه عَنْهُ قال: جَاءَ أعْرَابيّ فَبَاَلَ في طَائِفَةِ المسْجدِ فَزَجَرَهُ الناس، فَنَهَاهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم، فلَما قَضَى بَولَه، أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فأهْرِيقَ عَلَيْهِ. غريب الحديث: 1- أعرابي بفتح الهمزة، نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البادية وقد جاءت النسبة فيه إلى الجمع دون الواحد. 2- في طائفة المسجد في ناحية المسجد. 3- فزجره الناس نهروه. 4- بذنوب من ماء بفتح الذال المعجمة، الدلو الملأى ماءً ولا تسمى ذنوبا إلا إذا كان فيها ماء. فأهريق عليه أصله أريق عليه أبدلت الهمزة هاء، فصار فهريق ثم زيدت همزة أخرى، فصار فأهريق هو بسكون الهاء، مبنى للمجهول. المعنى الإجمالي: من عادة الأعراب، الجفاء والجهل، لبعدهم عن تعلم ما أنزل الله على رسوله. فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه في المسجد النبوي، إذ جاء أعرابي وبال في أحد جوانب المسجد، ظناً منه أنه كالفلاة، فعظم فعله على الصحابة لعظم حرمة المساجد، فنهروه أثناء بوله. ولكن صاحب الخلق الكريم، الذي بعث بالتبشير والتيسير، ولما يعلمه من حال الأعراب، نهاهم عن زجره، لئلا يُلوث بقعاً كثيرة من المسجد، ولئلا يصيبه الضرر بقطع بوله عليه، وليكون أدعى لقبول النصيحة والتعليم حينما يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يطهروا مكان بوله، بصب دلو من ماء عليه. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن البول على الأرض يطهر بغمره بالماء، ولا يشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك ولا قبله. 2- احترام المساجد وتطهيرها. 3- سماحة خلق النبي صلى الله عليه وسلم. فقد أرشد الأعرابي برفق ولين بعد ما بال مما جعله يقول: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحداً كما جاء في صحيح البخاري. 4- بُعْدُ نظره صلى الله عليه وسلم ومعرفته لطبائع الناس. 5- عند تزاحم المفاسد، يرتكب أخفها، فقد تركه يكمل بوله، لأجل ما يترتب من الأضرار بقطعه عليه. 6- إن البعد عن الناس والمدن، يسبب الجفاء والجهل. 7- الرفق بتعليم الجاهل. بيان أحكام الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر: عَن أبيِ هُرَيرة رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الفطرة خمس: الْخِتَانُ، والاستِحْدَادُ، وَقَصُ الشَّارب، وَتَقلِيمُ الأظَافِرِ، وَنَتْف الإبْطِ». المعنى الإجمالي: يذكر أبو هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خمس خصال من دين الإسلام، الذي فطر اللَه الناس عليه، فمن أتى بها، فقد قام بخصال عظام من الدين الحنيف. وهذه الخمس المذكرة في هذا الحديث، من جملة النظافة، التي أتى بها الإسلام. أولها- قطع قُلْفة الذكر، التي يسبب بقاؤها تراكم النجاسات والأوساخ فتحدث الأمراض والجروح. وثانيها- حلق الشعور التي حول الفرج، سواء أكان قبلا أم دبرا، لأن بقاءها في مكانها يجعلها معرضة للتلوث بالنجاسات، وربما أخلت بالطهارة الشرعية. وثالثها- قص الشارب، الذي بقاؤه، يسبب تشويه الخلقة، ويكره الشراب بعد صاحبه، وهو من التشبه بالمجوس. ورابعها- تقليم الأظافر، التي يسبب بقاؤها تجمع الأوساخ فيها، فتخالط الطعام، فيحدث المرض. وأيضا ربما منعت كمال الطهارة لسترها بعض الفرض. وخامسها- نتف الإبط، الذي يجلب بقاؤه الرائحة الكريهة. وبالجملة فإزالة هذه الأشياء من محاسن الإِسلام، الذي جاء بالنظافة والطهارة، والتأديب والتهذيب، ليكون المسلم على أحسن حال وأجمل صورة، فإن النظافة من الإِيمان. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن فطرة الله تعالى تدعو إلى كل خير، وتبعد عن كل شر. 2- أن هذه الخصال الخمس الكَريمة، من فطرة اللّه، التي يحبها ويأمر بها. وجبل أصحاب الأذواق السليمة عليها ونفرهم من ضدها. 3- أن الدين الإسلامي جاء بالنظافة والجمال والكمال. 4- مشروعية تعاهد هذه الأشياء، وعدم الغفلة عنها. 5- العدد خمسة هنا ليس حصراً، فإن مفهوم العدد ليس بحجة، وقد جاء في صحيح مسلم: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر من أنواع الفطرة في كل موضوع ما يناسبه. 6- قال ابن حجر: يتعلق بهذه الخصال فوائد دينية ودنيوية منها تحسين الهيئة وتنظيف البدن والاحتياط للطهارة، ومخالفة شعار الكفار، وامتثال أمر الشارع. اهـ. 7- أن ما يفعله الآن الشبان والشابات من تطويل الأظافر، وما يفعله الذكور من إعفاء الشوارب، من الأمور الممنوعة شرعا، المستقبحة عقلا وذوقا. وأن الدين الإسلامي لا يأمر إلا بكل جميل ولا ينهى إلا عن كل قبيح، غير أن التقلَيد الأعمى للفرنجة قد قلب الحقائق وحسن القبيح، ونفر من الحسن ذوقا وعقلا وشرعا. اختلاف العلماء: اتفقت العلماء على استحباب فعل الأشياء المذكورة عدا الختان، فقد اختلفوا هل هو مستحب أو واجب،ومتى وقت وجوبه من عمر الإنسان؟ وهل هو واجب على الرجال والنساء، أو على الرجال فقط؟ والصحيح من هذه الخلافات، أنه واجب، وأن وجوبه على الرجال دون النساء، وأن وقت وجوبه عند البلوغ، حينما تجب عليه الطهارة والصلاة. فائدة: الختان الشرعي هو قطع القلفة الساترة لحشفة الذكر. ويوجد في البلاد المتوحشة من يسلخون- والعياذ بالله- الجلد الذي يحيط بِالْقبُلِ كله، ويزعمون- جهلا- أن هذا ختان، وما هذا إلا تعذيب وتمثيل ومخالفة للسنة المحمدية، وهو محرم وفاعله آثم. وفقنا الله جميعا لاتباع شرعه الطاهر. .باب الغُسْل مِنَ الجنَابة: الغسل-بضم الغين- اسم الاغتسال، الذي هو تعميم البدن بالماء.وأصل الجنابة البعد، وإنما قيل لمن جامع أو خرج منه المنىُ: جنب لأن ماءه باعد محله. ويراد بهذا الباب، الأحكام التي تتعلق بالغسل وتبين أسبابه وآدابه، وغير ذلك. وهو من جملة الطهارة المشروعة للصلاة،ومن النظافة المرغب فيهِا. {وَإنْ كُنْتُم جُنُباً فَاطًهرُوا} عدا ما فيه من فوائد صحية وقلبية. فإن المجامع حينما تخرج منه النطفة التي تعتبر سلالة بدنه، وجوهره، يحصل له بعد خروجها شيء من الإجهاد والتعب،، ويحصل له فتور وكسل وتَبَلُّدُ ذهن، وركود في حركة الدم. ومن رحمة الحكيم الخبير، شرع هذا الغسل، الذي يعيد إلى الجسد قوته، وينشط دورة الدم في جسمه، فيعود إلى نشاطه. وكم في شرع الله من حِكم وأسرار!! وفقنا الله تعالى لفهمها، والإيمان بها. الحديث الأول: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عَنْهُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهُوَ جُنُبٌ، قالَ: فَاْنخَنَسْتُ مِنْهُ. فَذَهبْتُ- فاغتسلت، ثمً جِئت، فقال: «أيْنَ كُنْتَ يَا أبا هريرة؟» قال: كُنْتُ جُنُباً، فَكَرِهتُ أنْ أجالسك وَأنَا عَلَى غَيْرِ طَهَاَرةٍ. فقَالَ: «سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ». غريب الحديث: 1- انخنست: بالنون ثم بالخاء المعجمة والسين المهملة،. من الخنوس، وهو التأخر والاختفاء. يعنى انسللت واختفيت. قال ابن فارس: الخنس الذهاب بخفية، خنس الرجال، تأخر. 2- منه: أي من أجله، حيث رأيت نفسي نجساً بالنسبة إلى طهارته وجلالته صلى الله عليه وسلم. 3- كنت جنبا: أي كنت ذا جنابة، وتقع هذه اللفظة على الواحد والجمع المذكر والمؤنث،كما ورد في القرآن والحديث. قال سبحانه: {إن كنتم جنبا فاطهروا} وقالت إحدى أمهات المؤمنين: كنت جنبا. 4- «لا ينجُس»: بضم الجيم وفتحها. 5- «سبحان الله»: تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس من الجنابة. المعنى الإجمالي: لقي أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وصادف أنه جنب فكان من تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم وتكريمه إياه، أن كره مجالسته ومحادثته وهو على تلك الحال. فانسل في خفية من النبي صلى الله عليه وسلم واغتسل، ثم جاء إليه. فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أين ذهب؟ فأخبره بحاله، وأنه كره مجالسته على غير طهارة. فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم من حال أبي هريرة حين ظن نجاسة الجنب. وذهب ليغتسل وأخبره: أن المؤمن لا ينجس على أية حال. ما يؤخذ من الحديث: 1- كون الجنابة ليست نجاسة تحل البدن. 2- كون الإنسان لا تنجس ذاته، لا حيا، ولا ميتا. وليس معناه أن بدنه لا تصيبه النجاسة أو تحل به، فقد تكون عينه-أي ذاته- متنجسة إذا أصابته النجاسة. 3- جواز تأخير الغسل من الجنابة. 4- تعظيم أهل الفضل، والعلم، والصلاح، ومجالستهم على أحسن الهيئات. 5- مشروعية استئذان التابع للمتبوع في الانصراف، فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي هريرة ذهابه من غير علمه، وذاك أن الاستئذان من حسن الأدب. الحديث الثاني: عَنْ عَائِشَةَ رَضي الله عَنْهَا قَالتْ: كان رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَل يَدَيْهِ، ثُمَ تَوَضَّأ وضُوءهُ للصلاةِ، ثم يُخَلِّلُ بيَدْيَهِ شَعْره حَتَّى إِذَا ظَنَّ أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثَلاثَ مَرَاتٍ، ثُم غَسل سَائِرَ جَسَدِهِ. وقالت: كُنْت أغْتَسل أنَا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاء وَاحِدٍ، نَغْتَرِف مِنْهُ جَمِيعاً. غريب الحديث: 1- إذا اغتسل من الجنابة: يعنى أراد ذلك. قال الزمخشري: عبر عن إرادة الفعل بالفعل، لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له. والقصد الإِيجاز في الكلام. 2- ثم يخلل بيديه شعره: التخليل إدخال الأصابع بين أجزاء الشعر. 3- قد أروى بشرته- أوصل الماء إلى أصول الشعر، والبشرة المرادة هنا، ظاهر الجلد المستور بالشعر. 4- إذا ظن: الظن يراد به هنا معنى الرجحان، إذ لا دليل على أنه لابد من اليقين، والظن قد صح التعبد به في الأحكام. 5- أفاض عليه: أسال الماء على شعره. المعنى الإجمالي: تصف عائشة غسل النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا أراد الغسل من الجنابة، بدأ بغسل يديه، لتكونا نظيفتين حينما يتناول بهما الماء للطهارة، وتوضأ كما يتوضأ للصلاة. ولكونه صلى الله عليه وسلم ذا شعر كثيف، فإنه يخلله بيديه وفيهما الماء. حتى إذا وصل الماء إلى أصول الشعر، وأروى البشرة، أفاض الماء على رأسه ثلاث مرات ثم غسل باقي جسده. ومع هذا الغسل الكامل، فإنه يكفيه هو وعائشة، إناء واحد، يغترفان منه جميعا. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية الغسل من الجنابة. سواء أكان ذلك لإنزال المنى أم لمجرد الإيلاج. كما سيأتي صريحا في حديث أبي هريرة. 2- أن الغسل الكامل، ما ذكر في هذا الحديث، من تقديم غسل اليدين، ثم الوضوء، ثم تخليل الشعر الكثيف، وترويته، ثم غسل بقية البدن. 3- قولها: كان إذا اغتسل: يدل على تكرار هذا الفعل منه عند الغسل من الجنابة. 4- جواز نظر أحد الزوجين لعورة الآخر، وغسلهما من إناء واحد. 5- تقديم غسل أعضاء الوضوء في ابتداء الغسل على الغسل منْ الجنابة، عدا غسل الرجلين فإنه مؤخر إلى بعد الانتهاء من غسل البدن كله، كما سيأتي. 6- قولها: ثم توضأ وضوءه للصلاة... ثم غسل سائر جسده: يدل على أن غسل أعضاء الوضوء رافع للحدثين الأكبر والأصغر، فإن الأمر الذي يوجب غسل هذه الأعضاء للجنابة ولرفع الحدث الأصغر واحد. 7- سائر الجسد: بقيته. الحديث الثالث: عَنْ مَيْمُونَةَ بنْتِ الْحَارثِ زَوْج النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهَا قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَضُوءَ الجَنَابَة فأَكفَأ بِيِمِينِهِ علَى يساره مَرًّتيْنِ أوْ ثَلاثَا، ثم غَسَلَ فرْجَهُ، ثُمٌ ضَرَبَ يدَهُ بِالأرْضِ أوْ اْلحَائِطِ مرًّتينَ أوْ ثَلاثَاً ثمَّ مَضْمَضَ وَاَسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ وَذِراعَيْهِ، ثمَّ أفَاضَ عَلى رَأسهِ الْمَاءَ، ثمَّ غَسَلَ سَائرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَل رِجْليْهِ فأتيتهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْها، فَجَعَل يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ. غريب الحديث: 1- أكفأ الإناء: قلبه على وجهه. وكفأه: أماله، والحديث يفيد الإمالة بلا شك، وهذا ما يوافق رواية البخاري وهى كفأ وأنكر بعضهم أَن يكون أكفأ بمعنى قلب. 2- ضرب يده في الأرض أو الحائط: المراد منه مسح يده بأحدهما لإزالة اللزوجة بعد الاستنجاء. 3- إفاضة الماء: على الشيء وإفراغه عليه وإسالته فوقه. 4- فلم يُرِدْها: بضم الياء وكسر الراء وإسكان الدال، من الإرادة لا من الردّ- كما غلط بعضهم. ما يؤخذ من الحديث: هذا الحديث نحو الحديث السابق، وفيه فوائد نجملها فيما يلي. 1- الحديث الأول ذكر فيه غسل يديه مجملا، وفي هذا الحديث ذكر أن غسلهما مرتين أو ثلاثا. 2- في هذا الحديث أنه بعد غسل اليدين غسل فرجه ثم مسح يديه بالأرض مرتين أو ثلاثا وقد ذكر العلماء أنه يعفى عن بقية الرائحة بعد دلكها بالأرض أو غسلها بمطهر آخر. 3- يتعين أن ينوي بغسل فرجه ابتداء الجنابة لئلا يحتاج إلى غسله مرة أخرى. 4- في الحديث الأول ذكر أنه توضأ وضوء الصلاة، ويقتضي أنه غسل رجليه. وهذا الحديث صرح أنه غسل رجليه بعد غسل الجسد. ولعل أحسن ما يجمع بينهما أن يقال: إنه توضأ في حديث ميمونة وضوءاً كاملا، ولكنه غسل رجليه مرة ثانية بعد غسل الجسد في مكان آخر لكون المكان المغتسل فيه متلوثا. 5- في هذا الحديث أن ميمونة جاءته بخرقة لينشف بها أعضاءه، فلم يقبلها وإنما نفض يديه من الماء. 6- أنه لا يجب دَلكُ الجسد في الغُسل. وهو كالدلك في الوضوء سنة. 7- أنه لا يغسل أعضاء الوضوء للجنابة بعد غسلها في الوضوء. فقد صحح النووي أنه يجزئ غسلة واحدة عن الوضوء وعن الجنابة. 8- أن غسل الجسد مرة واحدة وبعضهم يجعله ثلاثا، قياساً على الوضوء، ولا قياس مع النص هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا- عبد الرحمن السعدي وأحد الوجهين في مذهب أحمد. حكم من ينام جنب: عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ أن عمر بن الخَطَّابِ رضيَ الله عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله أيَرْقُدُ أحدنا وَهُوَ جُنُب؟ قالَ: «نعم» إذَا تَوَضَأ أحَدُكُم فَلْيَرْقُد. المعنى الإجمالي: كان الحدث من الجنابة عندهم كبيراً، لذا أشكل عليهم هل يجوز النوم بعده أو لا؟. فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصابت أحدهم الجنابة من أول الليل، فهل يرقد وهو جنب؟ فأذن لهم صلى الله عليه وسلم بذلك، على أن يخفف هذا الحدث الأكبر بالوضوء الشرعي، وحينئذ لا بأس من النوم مع الجنابة. ما يؤخذ من الحديث: 1- جواز نوم الجنب قبل الغسل إذا توضأ. 2- أن الكمال أن لا ينام الجنب حتى يغتسل، لأن الاكتفاء بالوضوء رخصة. 3- مشروعيهَ الوضوء قبل النوم للجنب، إذ لم يغتسل. 4- كراهة نوم الجنب بلا غسل ولا وضوء. حكم احتلام المرأة: عَنْ أم سَلَمَةَ زَوْج النبي صلى الله عليه وسلم قَالتْ: جَاءَتْ أم سُلَيْمٍ- امْرَأةُ أبي طَلحَةَ- إلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَاَلَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِن الله لا يستحي مِنَ الْحَق هَل عَلى المَرأةِ مِنْ غُسْل إِذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، إِذاَ هِيَ رَأتِ اْلمَاءَ». المعنى الإجمالي: جاءت أم سليم الأنصارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتسأله. ولما كان سؤالها مما يتعلق بالفروج، وهى مما يستحيا من ذكره عادة قدمت بين يدي سؤالها تمهيداً لإلقاء سؤالها حتى يخف موقعه على السامعين، فقالت: إن الله جل وعَلا وهو الحق، لا يمتنع من ذكر الحق الذي يستحيا من ذِكره من أجل الحياء، ما دام في ذكره فائدة. فلما ذكرت أم سليم هذه المقدمة التي لطفت بها سؤالها، دخلت في صميم الموضوع، فقالت: هل على المرأة غسل إذا هي تخيلت في المنام أنها تجامع؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، عليها الغسل، إذا هي رأت نزول ماء الشهوة. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن المرأة عليها الغسل حين تحتلم، إذا أنزلت ورأت الماء. 2- أن المرأة تُنْزِل كما يُنْزِلُ الرجل، ومن ذاك يكون الشبه في الولد،كما أشار إلى هذا بقية الحديث. 3- إثبات صفة الحياء لله جلّ وعلا، إثباتا يليق بجلاله، على أنه لا يمتنع تعالى من قول الحق لأجل الحياء. قَال ابن القيم في البدائع: إن صفات السلب المحض لا تدخل في أوصافه تعالى، إلا إذا تضمنت ثبوتا، وكذلك الإخبار عنه بالسلب، كقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} فإنه يتضمن كمال حياته وقيوميته. اهـ. 4- أن الحياء لا ينبغي أن يمنع من تعلُّم العلم، حتى في المسائل التي يستحيا مهنا. 5- أن من الأدب وحسن المخاطبة، أن يقدم أمام الكلام الذي يستحيا منه مقدمة تناسب المقام، تمهيدا للكلام، ليخف وقعه، ولئلا ينسب صاحبه إلى الجفاء. بيان حكم المني: عن عَائِشَة قَالَتْ: كنتُ أغْسِل الْجَنَابةَ مَنْ ثَوبِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاةِ وإن بُقَعَ الْمَاءِ في ثَوْبِهِ. وفِي لفظ مسلم: «لقد كُنْتُ أفرُكهُ مِن ثَوْبِ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَركاً فيصَلي فِيهِ». المعنى الإجمالي: تذكر عائشة رضي الله عنها: أنه كان يصيب ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَنِى من الجنابة. فتارة يكون رَطْباً فتغسله من الثوب بالماء، فيخرج إلى الصلاة، والماء لم يجف من الثوب. وتارة أخرى، يكون المَنِىُّ يابساً، وحينئذ تفركه من ثوبه فَركاً، فيصلى فيه. اختلاف العلماء: اختلف العلماء في نجاسة المني. فذهبت الحنفية، والمالكية إلى نجاسته. مستدلين بأحاديث غسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحديث الذي معنا. وذهب الشافعي، وأحمد، وأهل الحديث، وابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من المحققين، إلى طهارته، مستدلين بأدلة كثيرة منها ما يأتي: 1- صحة أحاديث فرك عائشة المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً، بظفرها، فلو كان نجسا، لما كفى إلا الماء، كسائر النجاسات. 2- أن المني هو أصل الإنسان ومعدنه، فلا ينبغي أن يكون أصله نجساً خبيثاً، والله كرمه وطهره. 3- لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله والتحرز منه، كالبول. 4- أجابوا عن أحاديث غسله، بأن الغسل لا يدل على النجاسة، كما أن غسل المخاط ونحوه، لا يدل على نجاسته. والنظافة من النجاسات والمستقذرات، مطلوبة شرعا. فكيف لا يقر غسله صلى الله عليه وسلم. ما يؤخذ من الحديث: 1- طهارة المني، وعدم وجوب غسله من البدن والثياب وغيرها. 2- استحباب إزالته عن الثوب والبدن فيغسل رطباً، ويفرك يابساً. بيان أن الجماع يوجب الغسل سواء حصل معه إنزال أم لم ينزل: عَنْ أبى هُريرة رضي الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثم جَهَدَهَا وَجَبَ الغُسْلُ» وفي لفظ لمسلم: «وَإِن لَمْ يُنْزل». غريب الحديث: 1- «شعبها الأربع»: يريد بذلك يديها ورجليها، وهو كناية عن الجماع. 2- «ثم جهدها»: بفتح الجيم والهاء، معناه: بلغ المشقة بكدها، وهو كناية عن الإيلاج. المعنى الإجمالي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه: إذا جلس الرجل بين شعب المرأة الأربع اللائي هن اليدان والرجلان، ثم أولج ذَكَره في فرج المرأة، فقد وجب عليهما الغسل من الجنابة وإن لم يحصل إنزال مَنِىٍّ، لأن الإيلاج وحده، أحد موجبات الغسل. ما يؤخذ من الحديث: 1- وجوب الغسل من إيلاج الذَّكَرِ في الفرج، وإن لم يحصل إنزال. 2- يكون هذا الحديث ناسخاً لحديث أبي سعيد: «الماء من الماء» المفهوم منه بطريق الحصر، أنه لا غسل إلا من إنزال المَنى. بيان مقدار الماء الذي يكفي للغسل من الجنابة: عَنْ أبي جَعْفَر مُحَمَدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ الْحُسيْنِ بْنِ عَلِي بْنِ أبيِ طَالِب رَضِيَ الله عَنْهُمْ أنَّهُ كَانَ هُوَ وَأبُوهُ عنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، فسألوه عَنْ الْغُسْلِ فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعة. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِيني. فَقَال جَابر: كَانَ يَكْفِى مَنْ هُوِ أوْفَرُ مِنْكَ شَعَراً وَخَير مِنْكَ- يُريدُ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ أمَّنَا في ثوْبٍ. وفي لفظ كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُفرِغ المَاءَ عَلى رَأسِهِ ثَلاثَا. قال المصنف: الرجل الذي قال: مَا يَكفينِي هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أبوه محمد بن الحنفية. المعنى الإجمالي: كان أبو جعفر وأبوه عند الصحابي الجليل جابر بن عبد الله وعنده قوم، فسأل القوم جابرا عما يكفى من الماء في غُسل الجنابة فقال: يكفيك صاع. وكان الحسن بن محمد بن الحنفية مع القوم عند جابر، فقال: إن هذا القدر لا يكفيني للغسل من الجنابة. فقال جابر: كان يكفى من هو أوفر وأكثف منك شعراً، وخير منك، فيكون أحرص منك على طهارته ودينه- يعنى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم بعد أن اغتسل بهذا الصاع أمَّنَا في الصلاة، مما يدل على أنه تطهر بهذا الصاع الطهارة الكافية. ما يؤخذ من الحديث: 1- وجوب الغسل من الجنابة، وذلك بإفاضة الماء على العضو، وسيلانه عليه. فمتى حصل ذلك تأدى الواجب. 2- قال في بداية المجتهد، لا يستدل به على لزوم الدلك ولا على عدمه. 3- أن الصاع الذي هو أربعة أمداد، يكفى للغسل من الجنابة. قال ابن دقيق العيد: وليس ذلك على سبيل التحديد، فقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة، وذلك والله أعلم- لاختلاف الأوقات أو الحالات، كقلة الماء وكثرته، والسفر والحضر. 4- استحباب التخفيف في ماء الطهارة. 5- الإنكار على من يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم. |